Loading…

بيداغوجيا الأهداف أو بداية "العقلنة" و "التنظيم"

بيداغوجيا الأهداف أو بداية "العقلنة" و "التنظيم"

 - أولا  : الإطار التاريخي
  - ثانيا  : الإطار النظري
  - ثالثا  : معنى الأهداف التربوية ومستوياتها
  - رابعا : صياغة الأهداف التربوية المحددات   والشروط   
- خامسا:  حدود بيداغوجيا الأهداف وظهور

   بيداغوجيا الكفايات


أولا: الإطار التاريخي:

يعود ظهور الحركة التربوية القائلة بضرورة تحديد و ضبط أهداف التربية و التعليم إلى بداية القرن العشرين . ويعتقد دولاندشهير De Landsheere ،أحد أبرز منظري هذا الاتجاه ، أن أول من اقترح طريقة نظرية لصياغة الأهداف هو بوبيت F.Bobitt   والذي ربط  التربية بالتهييء و الإعداد لسن الرشد(1) . " ولذلك ، ومن أجل تحديد الجوانب الأساسية التي ينبغي أن يركز عليها التعليم ، اقترح القيام بعملية تحليل لمختلف الأنشطة الاجتماعية و المدنية و الدينية و الصحية ، وكذا القيام بتحليل انتاجات المتعلمين مع التركيز على الأخطاء التي يرتكبونها "(2) .
وقد استطاعت هذه الحركة الداعية إلى تحديد أغراض التربية ، في أفق تنظيمها وعقلنتها ، أن تتقدم أكثر، و أن تلقى بعض الدعم والقبول خصوصا مع ظهور أعمال طايلور Taylor ،والذي تعتبر محاولته بحق أول محاولة منظمة و جدية لتحديد أغراض التعليم (3) و ذلك من خلال تأكيده على أن نجاعة أي فعل تعليمي لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال التحديد الدقيق و الواضح لما نتوخاه  من هذه العملية ، أي تحديد الأهداف التعليمية . وقد كان هذا التصور جزءا من تصورات ،  بل ومن فلسفة طايلور، و التي وجدت صداها بشكل أدق في مجال الشغل .
غير أن هذا المسعى لم يكتب له لكي يتبلور بشكل نهائي ، على الأقل في مجال التربية والتكوين ، إلا مع بلوم Bloom الذي يعود إليه الفضل الكبير في إثارة الانتباه مجددا إلى أهمية تحديد و ضبط أهداف التعليم حتى تسهل عملية تقويمها بشكل موضوعي ودقيق ودون هدر، لا لطاقات المعلم و لا لطاقات المتعلم ."لقد كان منطلق بلوم و مساعديه ، هوا لبحث عن حلول للصعوبات التي كانت تعترض المدرسين أثناء القيام بعملية  تقييم  نتائج أعمال طلبتهم . وترتب عن ذلك البحث وضع طريقة ملائمة تسمح بالقياس الكمي للأنشطة التربوية و التعليمية . ولكن ، وحتى يكون ذلك ممكنا ، يصبح من الضروري ، وفي المقام الأول ، تحديد ما يراد قياسه و تقييمه تحديدا دقيقا و بطريقة تقبل الملاحظة ، أي مجموع الأهداف التي يسعى التعليم إلى تثبيتها لدى المتعلمين ، وذلك باعتبار أن عملية القياس و التقييم لا بد أن تكون مسبوقة بتحديد السلوكات و الإنجازات المراد قياسها ."(4) .
وقد ساعد المحيط الايديلوجي – بلغة الابيستيمولوجيين – كذلك في تعزيز مثل هذه الاتجاهات في التربية . وهذا ما لاحظه بشكل ذكي دولاندشهير عندما ربط بين ظهور التدريس بواسطة الأهداف و الواقع السياسي للمجتمعات الغربية ، حيث إن تقدم و ازدهار الممارسة الديموقراطية في هذه المجتمعات ، وإعادة النظر في العلاقات بين الطبقات المشكلة للمجتمع ، كان لابد أن يواكب ذلك تحول مماثل على مستوى النظام التربوي برمته ، والسبب في ذلك تجنيب مجتمع يقوم على التعايش و الإجماع من التفكك ، وبالتالي ضرورة الاتفاق حول غايات وأهداف للتربية تكون محددة بدقة ومتفق عليها من طرف الجميع . كل ذلك في سبيل تأمين الوحدة ، الإجماع ، الديموقراطية ، وبالتالي تجاوز كل الانحرافات الممكنة . (5)
إضافة إلى هذه الاعتبارات الايديلوجية المرتبطة بالاختيارات السياسية التي أرادتها المجتمعات الغربية لنفسها ، يمكن أن نستحضر عاملا محليا ارتبط بالمجتمع الأمريكي، الذي تحمس مفكروه و منظروه بشكل أكبر لهذا التوجه البيداغوجي ، وقد تمثل هذا العامل في سلسلة الإخفاقات التي عرفها النظام التعليمي في أمريكا آنذاك خصوصا في الخمسينيات .  تلك الإخفاقات التي صاحبتها موجة من الانتقادات بدأت تشكك في مدى نفعية و مردودية التعليم معتبرة مضامينه متجاوزة بصفة كلية ، ومن ثم ضرورة إعادة النظر في هذا النظام سواء على مستوى محتوياته ، طرقه أو آليات تقويمه حتى يصبح أكثر إنتاجية ، فعالية و مردودية ، وهي صفات أو مفاهيم غير غريبة عن المجتمع الأمريكي كمجتمع رأسمالي لا تحركه  سوى المنفعة ولا يومن إلا بمنطق الربح والربح السريع . في حالتنا هذه ، التعليم كذلك لابد من ضبطه و تحديد غاياته و أهدافه حتى يمكن الانتفاع به و على كل المستويات : عمليا لتطوير الاقتصاد و فلسفيا لحفظ النظام ومكتسباته .


ثانيا: الإطار النظري :

على هذا المستوى يمكن أن نتحدث على ثلاثة مرتكزات أساسية ساهمت، بهذا القدر أو ذاك، في ظهور و تشكل بيداغوجيا الأهداف . وهى مرتكزات استفادت من الفلسفة ومن علم النفس قدر استفادتها من واقع المجتمع الأمريكي كمجتمع بلغ قدرا لا بأس به من التقدم الصناعي ، و راكم تجربة كان لابد له أن يستثمرها في مجال التربية والتعليم .

- الفلسفة البراغماتية :

شكلت الفلسفة البراغماتية ، التي  يعتبر جون ديوي من أبرز ممثليها الإطار النظري الأمثل الذي ألهم تفكير منظري  بيداغوجيا الأهداف . وهي ، وكما هو معروف ، فلسفة قدمت نفسها كبديل لكل الفلسفات التأملية الميتافيزيقية ، لأن قيمة كل شيء بالنسبة لها ، بل وحقيقة ذلك الشيء يستمدها من خلال ما ينجم  عنه من نفعية . إن الحقيقة بالنسبة إليها تساوي النفع وليس هناك أي معيار آخر لإدراكها غير النفع  . فكل المعايير ، سواء كانت عقلية ، حسية أو حدسية ، هي معايير زائفة و باطلة . إن الحقيقي في أوجز عبارة كما يقول وليام جيمس " ليس سوى النافع  الموافق للمطلوب في سبيل تفكيرنا ، تماما كما أن الصواب ليس سوى الموافق النافع المطلوب في سبيل مسلكنا "(6) .
وهكذا كان لابد لفلسفة نفعية ، عملية و تجريبية مثل هذه أن تلقى كل القبول الممكن داخل مجتمع لا يؤمن إلا بالمردودية ، ويسعى هو الآخر إلى إنقاذ نظامه التعليمي المهدد بالانهيار ، وتثبيته على ركائز واضحة و محددة بدقة حتى يصبح هو بدوره تعليما عمليا و نفعيا . وهذا بالضبط ما ستقدمه بيداغوجيا الأهداف .




- الطابع الصناعي للمجتمع الأمريكي :

أدى التطور الصناعي الذي عرفته المقاولة الأمريكية خصوصا على مستوى تنظيم الشغل و الذي عرف أوجه مع طايلور الذي دعا إلى تجزيء عملية الإنتاج إلى سلسلة من العمليات أو المهام الصغرى وفق مبادئ الفعالية ، المهارة و الإنتاجية ، والنجاح الذي لاقته هذه النظرية ، إلى التفكير في نقل ما أنجز في هذا الحقل الصناعي المحض إلى مجال التربية و التعليم . فما دامت طرق وآليات العمل المتبعة داخل المقاولة قد أبانت عن مفعولها وتم التحقق تجريبيا من نتائجها ، فلم لا ننقل ولا نطبق هذه الآليات داخل المؤسسة المدرسية وبالتالي تخليص العملية التعليمية من العفوية والارتجال ؟
هكذا نلاحظ كيف استطاع الأمريكيون احتواء الأزمة التي عرفها نظامهم التعليمي و تجاوزها عن طريق الاستفادة من التطور الذي عرفه المجال الصناعي ومن ثم النجاح في تأسيس الفعل التعليمي على مجموعة مبادئ تجد مرجعيتها أساسا في عالم الممارسة الصناعية و التكنولوجية وتتغذى بمفاهيم عملية من قبيل : العقلنة ، التسيير ، تحديد المهام ، و الأهداف بشكل عملي ، ضبط طرق ووسائل التنفيذ ، التحقق من النتائج ... وهي كلها مبادئ و مفاهيم ستؤثث بيداغوجيا الأهداف كما نلاحظ من خلال الجدول التالي الذي يبين  بشكل دقيق تقاطعات المقاولة و المدرسة على الأقل كما تصورها الأمريكيون .




تقاطعات المدرسة و المقاولة




المقاولة
المدرسة
المواد الخام تعرف تغييرات عديدة. في عملية التغيير يتدخل العمال و التقنيون و الآلات . يتدخل المدرسون و الوسائل التعليمية لإحداث التغيير في سلوك التلميذ . التلميذ يعرف تغييرا في اتجاه الرشد .
يدرس قطاع البحوث بكيفية علمية أنشطة الإنتاج ومختلف المتغيرات المؤثرة . يدرس المتخصصون التربويون المناهج الدراسية المناسبة لمتطلبات المجتمع .
يضمن التسيير العلمي للمقاولة الفعالية و النجاح . التسيير العلمي يحقق أكبر قدر من الفعالية التربوية.
تقتضي تكنجة العملية ضبطا دقيقا للمراحل و الأنشطة . تتحقق الفعالية بتكنجة العملية التعليمية و ذلك بتنظيم محكم وتخطيط محبك .
المراحل و الأنشطة هي أمور ملموسة يمكن ملاحظتها و قياسها . كذلك الأهداف التربوية لابد و أن تكون ملموسة و قابلة للملاحظة و القياس ومحددة بدقة .
تحديد معايير الجودة التي يخضع لها المنتوج النهائي . تحديد معايير التفوق والتي تراعى عند التقويم و الامتحانات .
المنتوج الذي يطابق معايير الجودة يخرج إلى السوق ، و إلا فيعاد إلى المعمل إذا كان ذلك ممكنا. التلميذ الناجح في الامتحانات يجد مكانا مناسبا في المجتمع ، و إلا فيعاد إلى التعليم أو التكوين كلما كان ذلك ممكنا .                                   (7)
                                                                                                                                           
- النزعة السلوكية:

تعتبر النزعة السلوكية Behaviorisme اتجاها أساسيا من اتجاهات علم النفس المعاصر. وهو اتجاه يعتقد أن مفتاح الشخصية يتمثل في دراسة السلوك لأنه هو وحده القابل للملاحظة و القياس ، بل و إعادة التوجيه والتعديل . لذلك حددت السلوكية موضوع علم النفس في دراسة السلوك الخارجي للكائن الحي . وقد مثل هذا الإنجاز في حينه تجاوزا مهما للمدارس السيكولوجية السائدة آنذاك ، خصوصا علم النفس ألغرائزي و المدرسة الشعورية اللذين بقيتا غارقتين في التأمل الفلسفي الميتافيزيقي ، حسب السلوكيين دائما .
لقد ساهمت المدرسة السلوكية، بثوابتها هذه، في ظهور و تبلور فلسفة التدريس بواسطة الأهداف، حيث قدمت لها سندا علميا متينا ، وبالتالي أضفت على مشروعها البيداغوجي  المشروعية المطلوبة . وقد انعكس ذلك التأثير بشكل واضح في التنظيرات و الأفكار التي تضمنتها بيداغوجيا الأهداف إلى درجة يمكن  القول معها أن التدريس بواسطة الأهداف ما هو إلا تطبيق أو إرادة في التحقق من الفرضية السلوكية . وهذا بالطبع ما نلمسه على عدة مستويات .
هكذا فإذا كان السلوكيون يلحون على دراسة الظواهر النفسية و النظر إليها باعتبارها سلوكات قابلة للملاحظة و القياس ، فان التعليم بواسطة الأهداف نفسه ، وتحت ذريعة التقييم الموضوعي لحصيلة العملية التعليمية – التعلمية ، نجده يؤكد هو الآخر على ضرورة التحديد الإجرائي لما نسعى إلى تحقيقه لدى المتعلم من خلال عبارات سلوكية قابلة للملاحظة و القياس .
إن الفكر الإنساني بكامله ينبغي أن يحدد من خلال ألفاظ سلوكية تستحق أن تعامل في ذاتها كأهداف ملموسة للتعلم كما يذكر سكينر . ذلك أن المقياس الحاسم لمعرفة قيمة تعليم ما ، يكمن أساسا فيما سيفعله التلميذ حين يكون قد تلقى التعليم . وانطلاقا من ذلك يتعين تقديم نظلم تربوي معين ليس بالرجوع إلى قيم عامة أو مفاهيم غامضة و مبهمة بل ارتكازا على سلوكات ملموسة (8) هكذا وعلى امتداد المتن البيداغوجي الهادف تجد حضور الجهاز المفاهيمي للنظرية السلوكية . وهو حضور يفرض نفسه مع سكينر كما يؤكد حضوره وبشكل أكثر إجرائية مع بلوم و صنافته المعروفة ، وحيث إن الأهداف لا يمكنها أن تكون أهدافا حقيقية للتعليم  إلا إذا كانت قابلة للملاحظة و القياس ، وبالتالي التأكد النهائي من مدى تحقق الهدف المحدد مسبقا أم لا .

ثالثا: معنى الأهداف التربوية و مستوياتها :
أ – مفهوم الهدف التربوي :

يعرفه الباحث محمد الدريج بقوله :"ان الهدف سلوك مرغوب فيه يتحقق لدى المتعلم نتيجة نشاط يزاوله كل من المدرس و المتمدرسين ، وهو سلوك قابل لأن يكون موضع ملاحظة و قياس و تقويم "(9) . "انه تخطيط للنوايا البيداغوجية وتحديد لنتائج صيرورة التعلم "كما يذكر بيرزيا Birze a(10) . وبصورة أكثر تحديدا فهو كما يقول دانييل هاملين D .Hameline :"التعبير الأقل أو الأكثر صراحة عن الآثار المرتقبة في مدة قصيرة أو طويلة ، وبقليل أو كثير من التأكيد و الاهتمام من طرف المكونين أو الأشخاص موضوع التكوين و المقررين له بما في ذلك المجتمع"(11) . و الهدف مطلب ضروري في مجال التربية و التكوين  بل هو فعل متضمن و كامن في كل أفعالنا والتي لا يمكن أن تكون دون قصدية محددة بهذا القدر أو ذاك. وهذا ما نستشفه من خلال أحد أبرز ممثلي هذا التوجه دولاندشهير الذي يكتب :"أن نربي يعني أن تقود . أي أن توجه نحو مرمى معين ، لكن أن تقود وبدون اتجاه شيئان لا يمكن أن يلتقيا ، وأن تقود إلى اتجاه ما ، غير كاف وحده لأن مصير التربية في جوهره ايجابي ، فنحن نربي نحو الحق و الخير و الجمال وليس نحو الخطأ و الشر و القبح ".(12)
انطلاقا مما سبق يمكن تعريف الأهداف التربوية بكونها تعبيرا عن سلوك التلميذ و إنجازاته المرغوب فيها ، وعن نتائج صيرورة التعليم والتعلم المخطط لها ، والمتمثلة في جملة الآثار المنشودة من العملية التعليمية – التعلمية سواء على المستوى البعيد ، المتوسط أو القصير ، والتي تكون عبارة عن مواقف ، قدرات أو مهارات تنمو بشكل متكامل ومتدرج عبر مختلف الأسلاك التعليمية لتنتهي بنا في الأخير إلى إنتاج الإنسان/المثال الذي تسعى المنظومة التربوية إلى تكوينه انطلاقا من فلسفة المجتمع و رهاناته .
في نفس الإطار ، وعلى مستوى عام عندما نتأمل جملة من التعاريف العامة للتربية والتي أعطيت لها عبر التاريخ ، نجد أن القاسم المشترك بينها هو الإفصاح عن غاية متوخاة من العمل التربوي . وهذا ما يؤكد القول بأن الفعل التربوي لم يكن قط دون قصدية أو دون غايات . هكذا فغاية التربية  تتمثل حسب أفلاطون في "إعطاء الجسم و الروح ما يمكن من جمال ومن كمال " أما بالنسبة لأرسطو فالغاية من التربية تتحدد في "إعداد العقل لاكتساب العلم كما تعد الأرض للنبات و الزرع ". و يذكر ابن خلدون في نفس الإطار أن الغاية من التربية تكمن في "حصول المتعلم على ملكة التحكم في الصناعات ". ويحددها دوركهايم في" اكتساب النضج اللازم للحياة الاجتماعية ".
من جهته ، يرمز التدريس بالأهداف ، حسب التعريف السابق للهدف ، إلى كل ممارسة تعليمية تنطلق من السؤال عما الذي نريده من هذه المادة التعليمية أو تلك ، من هذا الدرس أو ذاك ، من هذه الحصة أو تلك . أي من الهدف أو الأهداف التي نروم تحقيقها من التعلم ، لتستتبع ذلك السؤال المركزي أسئلة أخرى تهم الكيف ، أي كيفية تحقيق ذلك الهدف(الطريقة التعليمية) ، ثم العدة البيداغوجية اللازمة التي قد تيسر ذلك ،وصولا إلى آليات التقويم التي اعتمادا عليها يتم تبين نقط القوة و الضعف وكذلك اختبار مدى نجاعة المسار المتبع ، وكذا الوسائل المستخدمة ، ومدى وضوح المنطلقات أي الأهداف التي نشكل دوما نقطة الانطلاق في العملية التعليمية الهادفة . وهذا ما يسمى بلغة تربوية ب" رجع المردود" أو" التغذية الراجعة"Feed-back و الذي يتلخص معناها " فيما يقوم به الشخص ، سواء كان مدرسا أم لا، حينما يرسل معلوماته . فهو يتتبع إرساليته بحيث يحاول تحديد تأثيرها على الشخص المستقبل وذلك بفضل الفيدباك . وهو مصطلح استعمل في مجال السيبرنطيقا و في هندسة الالكترونات ، قبل أن ينتقل إلى مجال التربية وعلم النفس . ومعناه كما يحدده – طلعت منصور- العملية التي تعود بفضلها المعلومات المتعلقة بإنجاز نظام ما( آلة أو كائن حي) إلى النظام نفسه لتغذيته من جديد حتى يتم تصحيح الأداء و ضبطه ليصير ملائما " (13).

ب- مستويات الأهداف التربوية :

تشمل الأهداف التربوية سلسلة تنازلية من المستويات تنطلق مما هو عام ومؤ طر للعمل التربوي ككل إلى ما هو خاص و إجرائي مع ما يفترضه مثل هذا الانتقال وما يتطلبه من اشتقاق و تخصيص . وهي كلها عمليات تقتضي تمثل المدرس ووعيه بتكاملها و تداخلها و ارتباطها الوظيفي . وبقدر ما تنزل الأهداف التربوية من أعلى المستويات، أي من القيم و المبادئ و التوجهات الكبرى، إلى التي تليها في التدرج و الترتيب ، بقدر ما تتطلب الضبط و التحديد ، سواء تعلق الأمر بمادتها المعرفية ، بطريقة صياغتها أو بالجهات الموكل إليها عملية  تنفيذها . وعلى الرغم من التباين الحاصل في وصف و تقدير هذا الانتقال أو هذا المسار من العام إلى الخاص أو من الكل إلى الجزء أو من المجرد إلى المتعين ، القابل للملاحظة و القياس ، فإن الخطاطة التالية تكاد تغطي جميع الاستعمالات اللفظية التي عادة ما نصادفها في مجال تصنيف هذه الأهداف و تحديد مستوياتها :
*الغايات : تعبر عن فلسفة المجتمع و توجهاته العامة و مقاصده البعيدة في مجال التربية . كما تعكس جملة المبادئ والقيم التي ينبغي طبع الناشئة بها داخل نظام تعليمي معين و العمل على إعادة إنتاجها بما يعنيه ذلك من إعادة إنتاج للمجتمع بكامله ، ومن ثم ضمان استمرار يته . إنها تمثل الاختيارات العامة للبلاد و التي تعكس منظورها الثقافي العام . وعادة ما تصاغ هذه الغايات بشكل عام ومجرد ، ومن ثم فهي لا تصلح لأن تكون موجها للممارسة التربوية اليومية لما يفترضه ذلك من دقة ووضوح .

*المرامي أو الأغراض : تشتق المرامي من الغايات وترتب مباشرة بعدها وهي تقدم السياسة التعليمية للدولة في خطوطها العامة مبينة الأسس التي يرتكز عليها النظام التعليمي و الأغراض المتوخى منه تحقيقها وتوجهاته البعيدة المدى سواء بالنسبة للبرامج و المقررات ، أسلاك التعليم و أنواعه أو شعبه ، تخصصاته ونظام أو آليات تقويمه.

*الأهداف العامة : يتوجه هذا الصنف من الأهداف إلى الاهتمام بشخص المتعلم ومن ثم العمل على حصر مختلف الأنشطة التعليمية لاستخلاص كل القدرات التي يتعين بلورتها و تطويرها لدى المتعلمين في أفق تكوينهم تكوينا متكاملا يطال مختلف جوانب شخصيتهم .

*الأهداف الخاصة : يسميها البعض كذلك بالأهداف السلوكية وهي نتاج عملية تحليل لهدف أو أهداف عامة . والهدف الخاص يرتبط دائما بموضوع معين أو مواضيع تهم وحدة دراسية ، كما يرتبط كذلك بجانب أو جوانب سلوكية محددة تكون مستهدفة في الأنشطة التعليمية الممارسة .

*الأهداف الإجرائية : ارتباط الهدف الخاص بموضوع محدد يكون قيد الدرس أدى ببعض الدارسين إلى اقتراح تفكيك الهدف الخاص إلى أهداف صغرى يختص كل واحد منها بنشاط واضح يحدد إنجازه بشكل إجرائي و دقيق . وخلافا لهذا التصور هناك من يرى أن الهدف الإجرائي ما هو إلا هدف خاص تمت صياغته بطريقة إجرائية .

4- الصياغة الإجرائية للأهداف التربوية: محددات وشروط
 ساهمت صنافات الأهداف التربوية بشكل كبير في تحديد و ضبط صياغة الأهداف صياغة إجرائية تبين و ترصد بشكل دقيق ، السلوك الذي سينصب عليه الاهتمام من طرف المدرس *. غير أن الوقوف عند المستوى الصنافي واستعمال تعبيراته كقولنا مثلا: أن يعرف المتعلم أو أن يفهم المتعلم هذا الشيء أو ذاك، لا يضمن دائما إمكانية إنجاز مضمون الهدف، وكذا التحقق من مدى حدوث الإنجاز . هذا دون أن نتحدث عن المشاكل الناجمة عن طريقة فهم وتأويل الأفعال المستخدمة في الصياغة و التي تمثل الصنافات مرجعها .
لتجاوز مثل هذه الصعوبات دعا بعض المهتمين بدراسة الأهداف إلى الاعتماد على أجرأة ما يطلب من المتعلمين، أي ترجمة السلوك المستهدف وتحويله غالى أداءات مشخصة قابلة للملاحظة . وهذا ما يصطلح عليه بالصياغة الإجرائية للأهداف البيداغوجية والتي تشمل مجموعة من العناصر وتستوجب احترام مجموعة من الشروط نعرض لها كتالي :

* عناصر الصياغة الإجرائية :
- وصف السلوك النهائي ، أي تحديد الفعل السلوكي الذي يدل على ما سيقوم به المتعلم من نشاط . إلا أن بعض الأفعال لا تقبل الملاحظة المباشرة و يصعب التأكد من مدى تحققها و لذلك يحتاج ضبطها إلى تحديد مؤشرات أدائية ملموسة تستطيع أن تدل عليها بوضوح تام . ولهذا كلما  وجدنا أنفسنا أمام أفعال حالة، تعكس شعورا أو موقفا داخليا، وجب اللجوء إلى أجرأتها .
- وصف الإنجاز ، أي المحتوى المستهدف و الذي قد يكون معرفة ، موقفا أو أداء مها ريا . انه المجال أو المناسبة التي سيبرهن المتعلم من خلالها على درجة الاكتساب و الإتقان .
- وصف ظروف و شروط الإنجاز ، أي السياق . ويشمل هذا الوصف تحديد ظروف الإنجاز و كذا المعطيات المادية التي تتحكم فيه و أحيانا حتى الظروف العامة المصاحبة له . ولهذا يمكن أن ندمج في عنصر السياق العمليات التالية :
       * تحديد الأنشطة التي يلزم القيام بها للوصول إلى الهدف المنشود . مثلا أن يضع المتعلم بعد قراءته للنص ثلاث مرات متتالية وشرحه لمفرداته الصعبة عنوانا مناسبا له .
      * ذكر الوسائل و التقنيات المعتمدة في الإنجاز . مثلا أن يصنف المتعلم ، في جدول يرسمه على دفتره ، الأجسام المعروضة أمامه بحسب انجذابها للمغناطيس أو العكس .
      * تحديد المدى الزمني الذي ينبغي أن يستغرقه الإنجاز مثلا أن يكون التلميذ من خلال كلمات مبعثرة جملتين في ظرف دقيقتين .
- وصف الحد الأدنى من الأداء : يمثل هذا الحد إطارا يحصر ما ينبغي على المتعلم أن ينجزه والشكل الذي يعتمده في الإنجاز ، لهذا يؤخذ عادة كمعيار للتأكد من مدى تحقق الهدف . وقد يرد هذا الحد في الصياغة بصور مختلفة : إما بصورة واضحة وصريحة كقولنا مثلا أن يستخرج المتعلم عشر جمل من النص ألقرائي ،  بصورة ضمنية كقولنا مثلا أن يستخرج المتعلم الأفعال المجردة من القطعة ، أي كل الأفعال المجردة ، أو بصورة مؤ جرأة ، أي أنها تلاحظ من خلال أجرأة الفعل السلوكي كقولنا مثلا أن يقدر المتعلم الواجب  في علاقته مع الآخرين .

* شروط الصياغة الإجرائية :

هناك شرطان أساسيان يلازمان الصياغة الإجرائية لكل هدف بيداغوجي :
- الدقة وهي تعني توفر الصياغة الإجرائية في الهدف بشكل واضح و دقيق .
- المعقولية أو القابلية للتحقق منطقيا ، أي أن تكون الصياغة بمختلف عناصرها مقبولة و موضوعية ، ومن ثم يكون بمقدور المستهدف القيام بما طلب منه ، فقولنا مثلا أن يحفظ المتعلم قصيدة شعرية بعد قراءتها مرة واحدة من طرف المدرس لا يعتبر هدفا إجرائيا سليما لأن حفظا من هذا النوع وبهذه السرعة يعتبر من باب المستحيلات .

5- حدود بيداغوجيا الأهداف وظهور التدريس بالكفايات :

أدت جملة الانتقادات التي وجهت لبيداغوجيا الأهداف وخاصة بالنسبة  لتركيزها على المقاربة الإجرائية إلى ظهور التدريس بواسطة الكفايات على اعتبار أن هذه الأخيرة مدخل مناسب للتعلم وتحقيق مستلزمات نمو شخصية  المتعلم من قدرات و أداءات عقلية وعملية ضرورية . وهكذا نجد اليوم في إطار بيداغوجيا الأهداف التمييز بين جيلين : جيل العمل بواسطة الأهداف و التدرج من الإجرائي لاكتساب العام ، وجيل  الكفايات حيث لم تعد السلوكات الملاحظة التي ركز عليها رواد الجيل الأول سوى أدوات لرسم مؤشرات الكفاية المستهدفة و معايير تقويمها لدى رواد الجيل الثاني .
هكذا فالعمل بواسطة الكفايات سيمثل محاولة لتجاوز نقائص و ثغرات المقاربة السلوكية (الغلو في التركيز على الأهداف الإجرائية) . وهي ثغرات يمكن أن نحدها كالتالي :
- إن افتراض أن تحقيق مجموعة من الأهداف الصغيرة المحددة بكيفية إجرائية يقود في مرحلة من المراحل إلى تحقيق هدف عام أو مجموعة من الأهداف العامة افتراض يحتاج إلى مراجعة و إعادة نظر ،لأن الافتراض الصحيح يتوقف أساسا على مدى استمرار الصلة بين الهدف العام ومجموعة الأهداف الإجرائية المرتبطة به . وهذا ما يصعب ضمانه دائما لأن عملية الاشتقاق ليست سهلة على الإطلاق كما أن التفكيك و الأجرأة  يقطعان كثيرا تلك الصلة .
- إن الجمع بين المعرفة(le savoir) والمعرفة الأدائية(le savoir - faire) ومعرفة الكينونة (savoir être)جمع دينامي لا يقبل التجزيء ، ومن ثم فالعمل بالأهداف الإجرائية لا يضمن دائما هذه الصلة .
- إن الفعل التعليمي الممارس داخل الفصل الدراسي نشاط تفاعلي مفتوح على الدوام على المبادرة والفعالية وبالتالي فإن أية محاولة تستهدف تقنين هذا النشاط وتقييده بضوابط ، قد تقلص من فرص الإبداع والخلق  و التعامل المرن مع مختلف المواقف التي لم تبرمج مسبقا أو لم يؤخذ لها حسابها أثناء التخطيط للدرس و بنائه .

خلافا لما سبق نجد الكفاية أكثر دينامية و انفتاحا على غيرها وهي بذلك تتوفر على قدرة هائلة على التحويل و الاستعمال الواسع مما يسمح بتحقيق تعلمات من مستوى عال جدا . كما أن الكفاية لا ترتبط بمضمون تعليمي محدد بل إنها ملتقى تتقاطع داخله معارف و خبرات ومهارات ومواقف ... بغض النظر عن انتمائها إلى هذه المادة التعليمية  أو تلك . أضف إلى ذلك وظيفتها الادماجية للفرد  داخل المجتمع  و إمكانية استفادته مما يتعلمه داخل الفصل الدراسي و استثماره لحل المشاكل التي قد تعترضه في حياته العملية . وبهذا تتقلص نسبيا الهوة بين المعارف المدرسية و متطلبات الحياة أو المعيش بشكل أدق .
 















هوامش:

1- V. et G.Delandscheere, Définir les objectifs de l’éducation ,P.U.F,3éme édition,Paris,1982 ,p.9
2- الأهداف التربوية ، مؤلف جماعي ، سلسلة علوم التربية ، العدد الأول ، الطبعة الثالثة ، دار الخطابي للطباعة و النشر ، بدون تاريخ ، ص. 26
     3-Pocztar (J) ,La définition des objectifs pédagogiques ,Ed. ESF,Paris,3éme éd.1987,p.50
4- الأهداف التربوية ، مرجع سابق ، ص . 27
      5- V. et G. op . cit.,p 10
6- عبد السلام بنعبد العالي و محمد سبيلا ، دفاتر فلسفية ، العدد الرابع – الحقيقة- دار توبقال للنشر ،1993، ص.61
7- محمد الدريج ، التدريس الهادف ، مطبعة النجاح الجديدة ، 1990، ص. 92
8- الأهداف التربوية ، مرجع مذكور ، ص. 36
9- محمد الدريج ، مرجع سابق ، ص. 86
    10- César Birzea,Rendre opérationnels les objectifs pédagogiques,P.U .F,1ére éd.1979
     11- Hameline ,Les objectifs pédagogiques ,Ed.ESF,p.26
     12- V.G.Delandscheere,op.cit,p.5
13- محمد الدريج ، تحليل العملية التعليمية التعلمية ، منشورات مجلة الدراسات النفسية و التربوية ، الرباط ، 1983، ص . 17-18