أولا: معنى الخطأ و مفهومه
ثانيا: من الخطأ إلى بيداغوجيا الخطأ
تمثل بيداغوجيا الخطأ مقاربة جديدة لفعل التعليم و التعلم تقوم على تصور جديد للخطأ ، لا ينظر إليه انطلاقا من معيار مضاد هو معيار الحقيقة أو الصواب ، كما كان الشأن ولمدة طويلة في الابيستيميات الميتافيزيقية السابقة التي ظلت أسيرة أزواج ميتافيزيقية تنظر منها إلى العلم وتطل عليه ، بل تصور ينهل من الابستيمولوجيا المعاصرة التي تماهي بين الحقيقة و الخطأ وتعتبر الثاني مدخلا طبيعيا بل و ضروريا للوصول إلى مرحلة الحقيقة ، والتي لابد لها هي نفسها ، وبحكم الصيرورة التاريخية ، أن تصبح "خطءا" يلزم احتواؤه وتجاوزه وهكذا دواليك . ماهي الأسس النظرية التي يقوم عليها هذا التصور لفعل التربية و التعليم ؟ والى أي حد يمكن استثماره في المدرسة المغربية ؟ وقبل ذلك كيف يتحدد الخطأ وكيف يتم تعريفه ؟
أولا : معنى الخطأ ومفهومه :
1 - المجال اللغوي:
يعني الخطأ لغة الحياد والابتعاد عن الصواب . ويعني كذلك الفرق بين القيمة الحقيقية والقيمة التقريبية . ويشار به كذلك إلى الذنب المتعمد . أما اصطلاحا فهو يعني :
- كل حالة ذهنية أو فعل عقلي يعتبر صائبا ما هو أصلا خاطئ أو العكس .
- أثر معرفة مكتسبة سابقا ، كانت ذات أهمية و أصبحت خاطئة أو غير ملائمة (المعنى الابستيمولوجي )
2- مجال الفلسفة أو تحو تاريخ فلسفي لمفهوم الخطأ :
لم يكن من الممكن الحديث عن الخطأ كقيمة نافعة قبل مجيء القرن العشرين وسلسلة التطورات التي راكمتها المعرفة العلمية ، والتي توجت بظهور الايبيستيمولوجيا المعاصرة خصوصا مع غاستون باشلارGaston Bachelard في مجال الفيزياء ، كوهيريKoyré وروبير بلانشيRobert Blanché في مجال الرياضيات ، وحيث سيعاد النظر في مجموعة من المفاهيم التي سيتم تحريرها من اطلاقيتها . ومنها مفهوم الخطأ الذي كان ، والى عهد قريب ، يوضع كمقابل للحقيقة و الصواب ، والذي اجتهد العقل التقليدي كل الاجتهاد لمحاصرته و التقليل من شأنه .
في هذا الإطار نجد أقليدسEuclide في مجال الرياضيات ، ومنذ العصر اليوناني ، يشرع للفكر الرياضي ويرسم له الطريقة البرهانية الذي يلوم أن يتبعها حتى لا يضل الطريق ، وهي طريق لايمكن لسالكها إلا الوصول حتما إلى اليقين ، وهو يقين كما نعرف مرتبط كل الارتباط بالبرهنة وإجادة البرهان . وبما أنه لا يمكننا أن نرجع بالبرهان إلى ما لانهاية ، فان أقليدس يقترح علينا أواليات ستمثل أسسا للتفكير . وهي أسس اتخذت شكل بديهيات évidences، مسلمات postulats و تعار يفdéfinitions ، ومن المفترض أنها إما قضايا واضحة بذاتها لا تحتاج إلى برهان – البدا هات- كأن نقول مثلا أ ن " الكل أكبر من الجزء "أو أن " المساويان لواحد متساويان"، أو قضايا غير واضحة بذاتها لكننا ، على الأقل مؤقتا ، لا نستطيع البرهنة عليها ومن ثم نكتفي بالتسليم بها – مسلمات- مثال المسلمة الخامسة : مسلمة التوازي والتي تنص على أنه " من نقطة خارج مستقيم لا يمكن أن يمر إلا خط واحد مواز للأول "، أو قضايا اتخذت شكل تعريفات للمفاهيم و الحدود الرياضية وضبطا لها من باب الاحتياط وإزالة كل لبس ممكن ، مثال " النقطة هي ما لا يقبل التجزيء " أو " الخط المستقيم طول لا عرض له" . إن المتأمل في هذا النسق الفكري يدرك بسهولة سعي الذات المفكرة لتقنين التفكير وضبط آلياته ، ومن ثم إمكانية التغلب على الخطأ ومحاصرته باعتباره قيمة سلبية .
مثل هذا التصور هو الذي سيفرز في فترة لاحقة ، ضمن نفس العصر – اليوناني – ظهور علوم المنطق مع أرسطو و الذي يعرفه أو يقمه باعتباره " الآلة أو الأورغانون الذي يعصم الذهن من السقوط في الزلل" أي في الخطأ. و الخطأ كل الخطأ بالنسبة لأرسطو هو السقوط في التناقض ، ومن ثم صياغته لقوانينه المنطقية المشهورة : قانون الهوية ، قانون عدم التناقض و قانون الثالث المرفوع *
وإذا كان الخطأ قد اتخذ بعدا آخر خلال هذه الفترة الممتدة حتى القرن السادس عشر خصوصا مع هيمنة الفكر الكنسي الذي يقيم كل شيء انطلاقا كن معيار الحقيقة الكنسية ، فإننا مع ديكارت بالخصوص سنسجل العودة من جديد إلى البحث عن اليقين العقلي والبحث عن كل السبل التي يمكن أن تجنبنا السقوط في الخطأ . ومن ثم" وما دام العقل أعدل قسمة بين الناس "، فانه يكفي أن نبين كيفية استعماله بشكل سليم حتى نتجنب كل الممرات التي يمكن أن تقودنا إلى اللاحقيقة أي إلى الخطأ . ومرة أخرى سيكون المخرج أو النموذج المثالي هو العلم الرياضي بقواعده الصارمة ، والذي بفضله سيبين ديكارت من خلال كتابه قواعد في المنهج أو قواعد لقيادة العقل أن الخطأ يكمن أساسا في سوء استعمال لآلة العقل والتي بطبيعتها لا تخطئ والتي يمتلكها الجميع " لأنه ومادامت المبادئ واضحة ، ومادام لا ينبغي أن يستخلص منها أي شيء إلا باستدلالات بديهية جدا ، فكل امرئ لديه دائما من قوة الذهن ما يعينه على فهم الأشياء...."(1). يتعين علينا إذن أن نحذو حذو الرياضيين في التفكير وأن نفكر كما يفكرون أي اعتمادا على قواعد تكون مرسومة مسبقا ، هذه القواعد هي التي ضمنها ديكارت في كتابه السابق الذكر ونقصد بها قواعد التحليل ، العد و الإحصاء ، التركيب ثم المراجعة .
لقد ساهمت هذه التصورات الفلسفية ، خصوصا كما تبلورت لدى العقلانيين والذين مثل مبحث المعرفة داخل أنساقهم الفلسفية مبحثا أساسيا ، خصوصا مع ديكارت و كالنط ثم هيجل ضمن رؤية أخرى أكثر تطرفا ومغايرة ، في ميلاد عقل جديد ، عقل رافض ، عقل لم يعد منغلقا متمركزا حول ما سمي بقوانين العقل ومبادئه الثابتة ، عقل يهاب التناقض ويتفاداه بل عقل يستحضر التناقض باعتباره مسارا طبيعيا بموجبه تتطور كل الكائنات كما سيبين هيجل من خلال ما سماه بجدل الطبيعة .وهكذا وعوض العقل التقليدي وحتى النقدي الكانطي الذي يعرف حدوده ، سيتبلور عقل جديد يستحضر ما هابه الآخرون ، يحتويه و يتجاوزه و يدمج الكل ضمن طريقة جديدة في التفكير . إنها الديالكتيك الذي لا يومن بالقضية الواحدة الثابتة ولا بنقيضها ولا بالتركيب الجديد الذي هو نفسه ينبغي أن يتحول إلى قضية تفترض النقيض وهكذا دواليك . لقد أصبح للتناقض هنا ، كتمظهر من تمظهرات الخطأ، موقع آخر . لقد أصبح مقبولا ومعترفا به ، فهو الذي يعرفنا بما يناقضه ومن ثم بداية تحرر الفكر الإنساني نسبيا من هيمنة الأضداد التي اتخذت صفة أزواج ميتافيزيقية حكمت على هذا الفكر بالانغلاق و الوثوقية .
وتنضاف إلى هذه الأفكار الجديدة التي بدأت في التبلور ، ثورة أخرى علمية تمظهرت وعبرت عن نفسها من خلال مجموعة من الاكتشافات في مختلف ميادين المعرفة العلمية كانت من نتائجها المباشرة حدوث رجات عرفتها حتى العلوم التي لم يكن أحد يشك في علميتها . هكذا سيجد العلم الرياضي نفسه أمام هزات عنيفة ، تلك التي سميت بأزمة الأسس التي كان يقوم عليها هذا العلم و التي عرضنا لها في مكان سابق . لقد بينت نظرية المجموعات مع جورج كانتور سنة 1906 كيف أن فكرة البداهة الأوقليدية فكرة خاطئة وأن الكل ليس دائما أكبر من الجزء بل قد يصبحا متساويان أو العكس . كما أن المسلمة الخامسة لا تصمد أمام آليات البرهنة الجديدة آنذاك خصوصا البرهان بالخلف الذي يفترض نقيض القضية للتمكن من إثبات القضية عند حصول النقيض . غير أن ذلك لم يحصل أمام افتراضات ريمن ولوباتشفسكي العكسية .الشيء الذي يقوض الأسس التي انبنى عليها النسق الأوقليدي وكذا البناء الرياضي المترتب على اعتماد مثل تلك السس . ونفس الشيء سيتكرر مع علم الفيزياء خصوصا مع ظهور النظرية النسبية مع آينشتاين و ظهور تصورات جديدة للزمان و المكان اللذان لم يعودا منفصلين مطلقين متجانسين ولا متناهيين كما هو الحال منذ نيوتن . كان لابد إذن ، أمام هذا الوضع الجديد ، أن يظهر علم جديد يستطيع فك هذه الألغاز ، ومن ثم مواكبة المسار الجديد الذي بدأت تنحوه المعرفة العلمية ومساعدتها في تجاوز تعثراتها حتى لا نقول أخطاءها .
ضمن هذا الإطار ستظهر الابيستيمولوجيا كعلم موضوعه الدراسة و المتابعة النقدية للمعرفة العلمية وهو العلم الذي سيتخذ معه مفهوم الخطأ معنى آخر أكثر ايجابية . فما حدث لا في مجال الرياضيات ولا في مجال الفيزياء التقليدية ليس خطءا ينتقص من قيمة ومن شان العلماء آنذاك ، بل هي مجرد وقفات و تعثرات عرفتها المعرفة العلمية لأن الأدوات والمناهج التي كانت تشتغل بها لم تعد قادرة على استيعاب التطورات الجديدة . مع ذلك فهي تبقى صائبة ولكن في حدود معينة مرتبطة بالمجالات المطابقة لها . تلك مثلا حالة الهندسة الأوقليدية في مجال الأمكنة المستوية . لا مجال إذن للحكم على المعرفة السابقة بالقول أنها خاطئة . إنها فقط متجاوزة لأن طبيعة المعرفة بل والحقيقة هي هكذا لا يمكن أن تكون كما يعتقد القدامى جامعة مانعة . إنها نسبية و"الخطأ كل الخطأ كما يقول ادغار موران يكمن في عدم تقدير أهمية الخطأ"(2) ذلك " لأننا معرضون دائما للخطأ وإذا ما أبعدنا القابلية للخطأ فإننا نبعد الحقيقة ذاتها أيضا "(3)لأن " كل معرفة كما يذكر نيتشه هي في جوهرها ومن دون شك مطلية بالخطأ ، لكن مع ذلك لدينا على الأقل تمثل واحد للواقع ، ويوجد ضمن هذه التمثلات العديد من درجات الخطأ . ورصد درجات الخطأ ، ورصد الضرورة الأساسية للخطأ باعتباره شرطا حيويا للتمثل تلك هي مهمة العلم "(4)
لقد ساهمت هذه التصورات في زعزعة التصور التقليدي حول الحقيقة ونقيضها الخطأ بل وفي زعزعة التفكير الإنساني ، وتحريره من أسر كل الأزواج التقليدية خير/شر ، ظلمة/نور ، عبد/سيد ، عقل/ لاعقل ، إلى آخره من هذه الثنائيات المعزولة . كما أن المعرفة تحررت من اطلاقيتها ، فما هو حقيقة اليوم قد يصبح غدا متجاوزا وهكذا دواليك .
وقد انعكس هذا الكشف الابستيمولوجي على مستويات الفكر و نظرتنا للحياة ، للعالم وللآخرين ، ومن ثم ظهور فلسفات جديدة ستعيد النظر في مجموعة من المفاهيم العقل واللاعقل مع ميشيل فوكو ، الخير و الشر عند نيتشه ، الغرب والشرق عند الأنتروبولوجيين ...الخ وكان لابد ، بحكم تبادل التأثير والتأثر هذه بين مختلف فروع المعرفة ، أن ينعكس ذلك على مستوى التنظير البيداغوجي ومن ثم إدماج هذا الكشف واستثماره في عملية التعلم ، ليس عبر استبعاد الخطأ وإقصاءه بل عبر احتضانه والبحث فيه في أفق تجاوزه بعيدا عن آليات الثواب و العقاب .
3-مجال السيكولوجيا و البحث في كيفية تدبير الخطأ :
إذا كانت الأهمية البيداغوجية للخطأ قد تأكدت ، كما حاولنا أن نبين في الفقرات السابقة ، مع أبحاث الابستيمولوجيين خصوصا غاستون باشلار ومن ثم اعتبار مبحث الابستيمولوجيا إطارا نظريا مهما ساهم في ظهور مقاربة من هذا النوع ؛ فإنه يتعين علينا أن لا ننكر الدور الذي لعبته الأبحاث السيكولوجية خصوصا سيكولوجيا التعلم في البحث في موضوعة الخطأ سواء على مستوى البحث عن أصله و مصادره أو على مستوى البحث في كيفية استثماره في مجال التربية و تعديل السلوك.
1-3 مدلول الخطأ في المقاربة السلوكية ׃
تعتبر المقاربة السلوكية في مجال التربية و التعليم من بين أهم المقاربات التربوية التي عرفها مطلع القرن العشرين . وهي التي يعود اليها الفضل في ظهور طرق التدريس المبرمج مع سكينر ، والتدريس بواسطة الأهداف ، خصوصا الاتجاه الاجرائي منه . لقد تطرقت هاته النظرية هي نفسها للخطأ و اعتبرته عاهة تترك آثارها السلبية ععلى المتعلم ، ومن ثم فأي اجابة سيئة تصدر عن المتعلم ينبغي العمل على محاربتها من خلال اقتراح أنشطة مناسبة أو بدعم المتعلم في الموضوعات و المضامين التي تعثر فيها ومساعدته لتجاوز أخطائه ، ومن ثم الوصول الى الأهداف المنشودة و التخلص من كل الأخطاء . وهكذا نجد بلوم يسمي نموذجه التربوي ب النسق التربوي من غير أخطاء ، حيث يرى أن كل نظام تعليمي ، يتسم بالفعالية القصوى ، ينبغي أن يعمل على تقليص الأخطاء الى أقصى حد ممكن و يتيح لجميع المتعلمين الوصول بدون استثناء الى نفس الدرجة من الانجاز . فعالية كل نظام تعليمي اذن هي قائمة على تجاوز واقصاء الخطأ باعتباره عائقا أمام معرفة حقيقية ، وايمانا من السلوكيين بقابلية السلوك للتعديل فأن الخطأ من الممكن تجاوزه وان عملية التعلم لابد لها أن تستدعي المحاولة و الخطأ كمدخل لها .
2-3مدلول الخطأ في المقاربة البنائية :
يرى أقطاب هذه المدرسة انه ما دام أن المتعلم هو الذي يقوم ببناء المعرفة بنفسه من خلال القيام بجملة من الأنشطة والممارسات فمن الطبيعي أن تعترضه بعض الصعوبات هي التي تقوده إلى ارتكاب أخطاء و هاته الأخطاء هي التي تساهم، وبطريقتها الخاصة، في تطور واكتساب المعرفة، بل نقطة انطلاق ومعبرا ضروريا لقيام معرفة علمية بالمعنى الصحيح. ولهذا فلا ينبغي الاعتراف بحق المتعلم في الخطأ فحسب بل ينبغي العمل بكل جدية لاكتشاف مصدر تلك الأخطاء.وعموما تعتبر المقاربة البنائية الخطأ شيئا ايجابيا وهذا ما نستنتجه من خلال قول باشلار"إن أخطاء تلامذتنا في التعلم هي جزء من تاريخهم الشخصي بكل ما يحمله هذا التاريخ من معارف وتجارب وتخيلات... وهذه الأخطاء شبيهة إلى حد ما بالأخطاء التي عرفتها المعرفة العلمية عبر تاريخها والتي أعطت معنى لذاك التاريخ..." إن الخطأ عند باشلار إذن يمثل ظاهرة بيداغوجية مهمة لأنه ليس مجرد تعثر في الطريق ولا يظهر فقط بفعل ما هو خارج عن المعرفة، بل انه يمثل نقطة انطلاق لها . وذلك أن المعرفة كما يعلمنا تاريخها لا تبدأ أبدا من الصفر بل لابد لها أن تصطدم بمعرفة قبلية عامية ومشتركة ، وهذا ما لا ينبغي للبيداغوجيا أن تتجاهله.-5-انظر في هذا الاطار معجم علوم التربية مؤلف اجتماعي سلسلة علوم التربية ع.9-10 ص 118 بتصرف.-
II -من الخطأ إلى بيداغوجيا الخطأ:
تستند بيداغوجيا الخطأ على مبادئ علم النفس التكويني وكذا الابستيمولوجيا البشلارية والتي تنظر إلى عمل المدرس وتدخلاته ضمن الزوج محاولة- خطأحيث إن الخطأ لا يقصى و إنما يعتبر رد فعل طبيعي لسوء فهم يلزم استثماره وترجمته إلى نقطة انطلاق لمعرفة نريدها أن تحل محل معرفة ناقصة توجد بشكل قبلي عند التلميذ، وهي تلك التي يفصح عنها ويقدمها على شكل خطأ. "إن الخطأ في هذه الحالة لا يكشف عن عدم قدرة التلميذ على الاستيعاب والفهم وانما يكشف عن وجود معرفة ناقصة لدى التلميذ ،معرفة غير مستوعبة بما فيه الكفاية أو في حاجة إلى دعم إضافي. ومن ثم فان التلميذ عندما يخطئ فهو في الواقع يطلب من المدرس ويوجه له رسالة . رسالة ، وان كان يصعب فك شفراتها، فانه يتعين النظر إلى الخطأ باعتباره إخفاقا له كل دلالاته ومعناه وباعتباره مرتكزا أساسيا للمسار البيداغوجي ومن ثم فالمدرس مطالب بإجادة الإنصات إلى التلميذ و تقبله بإيجابياته و"سلبياته" وان يخصص للمتعلم الوقت الكافي لكي يترك أخطاءه تفصح عن نفسها بشكل تلقائي لأنها في اعتقاده ليست أخطاء _ كما ندركها نحن _ بل معرفة تستحق كل العناية والاهتمام . إن من شان ذلك أن يتيح للمعلم الفرصة الذهبية للقيام بتحليل موضوعي مؤسس على ملاحظة التلميذ وهو ينتج أخطاءه/معرفته ، ومن ثم تحديد نوع تلك الأخطاء ومصادرها حتى يتسنى له معالجتها في خصوصيتها وليس منظورا إليها في شكلها العام والكلي والذي لا يسمح لنا بتشخيصها بشكل دقيق أي في تعدديتها وتنوعها.
1-آليات الاشتغال وفق بيداغوجيا الخطأ:
يفترض الاشتغال وفق هذه المقاربة البيداغوجية إضافة إلى الاقتناع المبدئي –كما أسلفنا- بالخطأ كحق طبيعي للتلميذ باعتباره ما زال يتلمس طريقه في الفهم والمعرفة و التعلم ، والتخلص تدريجيا من تمثلاته الخاصة والتي في غالب الحالات لا يكون مسئولا عنها شأنها شأن ذلك النوع من المعارف التي تتسرب إلى الذهن و إلى الذاكرة بشكل لا إرادي كما يذكر ديكارت والتي تحتم علينا ابسط قواعد العقل تحرير النفس منها، القيام بمجموعة من الإجراءات نحددها كالتالي:
- الإشعار بالخطأ: يتعين في هذه المرحلة إشعار التلميذ بالخطأ، ولكن مع التخلص من كل نظرة أو تصرف قد يجعل التلميذ يقف موقف المذنب مع ما يمكن أن يترتب عن ذلك من آثار سيكولوجية قد تكون سلبية ، وقد تعمق الهوة أكثر بينه وبين مجال التحصيل. عوض ذلك ينبغي أن ننظر إلى خطأ التلميذ باعتباره " مجرد محاولة تشتق طريقها نحو النجاح وهي مناسبة لإقصاء الأفعال المنجزة صدفة" كما يذكر فريني.لكن مع ذلك لا ينبغي أن نهملها ونتنكر لها بل الوقوف عندها بمعية التلميذ.
- تصنيف الأخطاء من حيث طبيعتها ومدى علاقتها بالمادة الدراسية وهل هي مرتبطة بخلل في الذاكرة وعدم القدرة على التخزين؟ بسوء فهم، أو عمليات ذهنية أخرى لا تؤدي وظائفها كما يجب؟ ثم التمييز في إطارها كذلك بين أخطاء يمكن أن نقبلها و أغلاط غير مقبولة منظورا إلى سن التلميذ و مستواه التعليمي خصوصا تلك المرتبطة بالقواعد و المبادئ الأولية في اللغة و باقي المواد التعليمية .
- تحليل الخطأ أي البحث عن الأسباب الكامنة وراءه : هل هي أسباب ذاتية مرتبطة مباشرة بالمتعلم كعدم الانتباه مثلا ، عدم التركيز ، طبيعة العلاقة مع المادة الدراسية أم أن الأمر مرتبط بعوامل أخرى تتجاوز المتعلم و المعلم معا ؟ومن ثم التوجه للبحث عن مصادر أخرى للخطأ قد تكون إما مرتبطة بالتاريخ الشخصي و العائلي للتلميذ ، محيطه السوسيوثقافي أو باعتبارات أخرى ، البحث وحده هو الذي بإمكانه أن يكشف عنها .
- معالجة الخطأ وهي عملية قد تطول و قد تقصر حسب نوعية الأخطاء الملاحظة لدى المتعلمين . وفي كل الحالات فمعالجة الخطأ تفترض فهمه بشكل عميق و إعطائه بعدا تكوينيا ، أي باعتباره نقطة انطلاق حقيقية لبناء المعرفة التي نريد ترسيخها لدى المتعلم . ومن الأفضل في هذه الحالة إعطاء الفرصة للتلميذ للتفكير في أخطائه و تأملها بنفسه و في ما إذا تبين عجزه في اكتشاف تهافت معارفه ، تعطى الفرصة لزملائه في الصف . وإذا عجز الجميع فأن الرسالة آنذاك تكون مباشرة إلى المعلم وطريقته في تدبير وضعياته التعليمية . وبالتالي إعادة النظر في الاستراتيجية التعليمية التي يعتمدها في تدبير برنامجه .
نفهم من هذه الملاحظة الأخيرة تعقد الخطأ وتعدد مصادره وهي مصادر يمثل إدراكها و الوقوف عندها أمرا أساسيا في سبيل الوصول إلى استئصال الخطأ عند التلميذ من أساسه .
2-أخطاء التلاميذ وأنواعها:
يبين تحليل مختلف الأخطاء التي يرتكبها المتعلمون أن هذه الأخيرة تنتمي أساسا إلى المجالات الأربعة التالية:
-أخطاء مرتبطة بالوضعية .
.consigne-أخطاء مرتبطة بالتعليمات أو المطلوب إنجازه
- أخطاء مرتبطة بالعمليات الذهنية.
- أخطاء مرتبطة بالمكتسبات السابقة.
*الأخطاء المرتبطة بالوضعية:في هذه الحالة نقف عند مجموعة من الاحتمالات:
-الوضعية تبدو للتلميذ جديدة كأن تكون طريقة طرح السؤال مثلا مختلفة عما هو معتاد لديه,أو المهمة المطلوبة منه إنجازها كذلك مغايرة،أو أن السياق الثقافي يبدو غريبا بالنسبة إليه، ثم كذلك لغة التواصل غير متعود عليها...وهي كلها اعتبارات قد تشكل عوائق أمام التلميذ في توفقه في الوصول إلى الإجابة الصحيحة ومن ثم سقوطه في الخط
-الوضعية تكون معروفة بالنسبة للتلميذ لكنها تقترح وتفضل نمطا من التفكير أو التحليل لا يتحكم فيه المتعلم بما فيه الكفاية، منظورا إلى وضعه المعرفي ، وبالتالي تكون لديه تمثلات مغلوطة حول المهام المطلوبة منه.
-الوضعية معروفة من طرف التلميذ ولكن ثمة اكراهات تعترضه كأن يكون الوقت المخصص لإنجاز السؤال غير كاف ،أو التمارين كثيرة ولا تتناسب مع الزمن المخصص لها أو أن درجة التعقد تكون مرتفعة وتتجاوز امكانات التلميذ آو نجد التمارين تحيل إلى تعلمات مرتبطة بميادين ومجالات مختلفة...
*الأخطاء المرتبطة بالمطلوب إنجازه: في هذه الحالة كذلك نجد:
إما أن المطلوب مصاغ بشكل سيء يحتمل الغموض واللبس بحيث يتضمن كلمات معقدة وصعبة لا تتناسب و معجم التلميذ .
المطلوب غير مفهوم وتتعذر قراءته من طرف التلميذ فنجده إما ينقص منه أو يضيف إليه وبالتالي يتصرف فيه بشكل قد ينتج عنه مطلوب آخر من صنع التلميذ.
سلوك التلميذ أو رد فعله اتجاه المطلوب حيث نسجل إما عدم الاستقلالية لدى التلميذ ومن ثم اللجوء إلى الغش والاعتماد على الآخرين ، أو كثير أو قليل من الاستباقيةanticipation
أو إهمالا للمطلوب إلى درجة نسيانه وعدم التفكير في قراءته من جديد.
في مثل هذه الحالات يتعين على المدرس أن يعمل على تنويع الطرق التي يقدم بها تمارينه وأن يفكر في الوضعيات الأكثر بعدا عن معيش التلميذ وأن ينوع مسارات التدريس والتقويم وأن يساعد تلامذته على تنويع الطرق والمداخل التي يعتمدونها في إجابتهم وذلك بإعطائهم كل الوسائل الممكنة لكي يتمكنوا من ذلك. كما يتعين عليه أن يساعدهم على تعلم التريث و التساؤل حول معنى المطلوب من خلال إبراز وتحديد الكلمات المهمة فيه-الكلمات المفتاح –ثم أن يساعدهم على إعادة صياغة المطلوب من جديد والتمثل ذهنيا لما سيقومون به والتأكد مما إذا كانوا قد قاموا بالفعل وطبقوا ما خططوا له في ذهنهم بشكل قبلي.
* أخطاء مرتبطة بالعمليات الذهنية:كثير من الأخطاء قد تنبع من العمليات الذهنية المعتمدة في وضعية معينة حيث نجد أن العملية الذهنية التي يقوم بها التلميذ لا تتناسب وطبيعة المطلوب والعملية المتوقعة للمدرس.مثلا في الوقت الذي يكون المدرس قد وضع السؤال لكي يقدر درجة التجريد عند المتعلم نجد هذا الأخير يسرد الدرس أو يقدم المثال الذي هو الفكرة ولكن من درجة ثانية.كذلك في الوقت الذي ينتظر منه المدرس تحريك مكتسباته السابقة لحل مشكل معين نجده يبقى أسير درس معين أو مادة دراسية بعينها.
يتعين على المدرس كذلك في مثل هذه الحالات أن يساعد تلامذته على الانخراط في قلب الوضعية ومن ثم تكوين صورة ذهنية عن المعرفة التي يمكن اللجوء إليها وتوظيفها لمعالجة المطلوب.كما يتعين عليه أيضا مضاعفة أنشطة التصنيف والترتيب والمقارنة ودفع المتعلمين على تحويل معارفهم ومكتسباتهم السابقة عن طريق اقتراح عمل يكون أكثر استعراضية travail plus transversal et interdisciplinaire وتقاطعا مع مواد دراسية أخرى وكذلك تعويدهم على التحكم في اندفاعاتهم وتعلم التفكير والتركيز وكذا دعم المعارف الأولية لديهم عن طريق تمارين إعدادية.
*أخطاء مرتبطة بالمكتسبات السابقة:حيث تكون المكتسبات السابقة إما خاطئة أو غير مدعمة بما فيه الكفاية.والتلميذ في هذه الحالة،لا يتحمل أية مسؤولية.ولمواجهة مثل هذه الصعوبات لدى التلميذ والتي قد تؤدي به إلى ارتكاب الخطأ بشكل دائم،يتعين على المدرس تنويع التعلمات،مع الرجوع دوما إلى المكتسبات الأولية الضرورية بالنسبة لهذه المادة الدراسية أو تلك حيث إن كل مادة دراسية تفترض جملة من المعارف والمعطيات الأولية ينبغي أن تكون متوفرة عند التلميذ حتى يستطيع مواصلة تعلماته.
بل وفي بعض الحالات لا بأس من إعادة التعلمات من جديد ومن أساسها لهدم كل التمثلات الخاطئة المرتبطة بها والتي توجد عند التلميذ في منزلة المعرفة الحقيقية بحيث يصعب عليه التخلص منها بسهولة ولو تقدم في تعلمه،مثال ذلك أخطاء اللغة وأخطاء النطق...
وتنضاف إلى جملة الأخطاء السابقة أخطاء أخرى ذات طبيعة ثقافية صرفة مرتبطة بتمثل التلميذ ومحيطه الثقافي لعملية التقويم ككل،مما يكون له انعكاس سلبي دائم على مستوى أداءات التلميذ.وهكذا نلاحظ في كثير من الحالات ونقف على الفوارق بين أداء التلاميذ في وضعية عادية، مرحلة بناء الدرس،وأدائهم يوم الامتحان،حيث إن التقويم _ للأسف _ ما زال ينظر إليه ، لا من قبل المتعلمين ولا من قبل الوسط الذي ينتمون إليه ، باعتباره معزولا عن لحظات العملية التعليمية – التعلمية الأخرى ومن ثم عدم إدراك أهميته التكوينية بالدرجة الأولى. ومثل هذه التصورات هي التي تقف في غالب الحالات عائقا أمام التلميذ وتمنعه من النجاح ليس فقط في الحياة المدرسة بل في حياته العملية أيضا ،وهي التي تفسر كذلك اللجوء إلى الحيلة والغش.إن المشكل إذن في هذا المستوى الأخير،هو في حقيقته مشكل ثقافي و بيداغوجي مرتبط بهيمنة ثقافة ونموذج من التربية لا زالتا مهيمنتين داخل مجتمعنا المغربي _ إن لم نقل الإنساني _ وحيث إن الخطأ يقابل دائما بالفشل وعدم القدرة وبالتالي يصبح كما يذكر جون بيير أصطولفيJean-Pierre Astolfi مرادفا للغلط faute وbogue بلغة الإعلاميات ومن ثم لا يستحق صاحبه سوى الإقصاء والنبذ والتهميش.
3-أخطاء التلاميذ ومصادرها:
بناءا على ما سبق رصده من أسباب للخطأ عند التلميذ ،يمكن أن نحدد بسهولة مصدر هذه الأخطاء، والتي يمكن أن نحددها ، على الأقل،في أربعة مصادر أساسية،يتحمل المسؤولية فيها كل من المعلم والمتعلم،إن لم نقل النظام التعليمي برمته.
*مصدر نمائي أو نشوئي حيث تتضاعف فرص الخطأ عند التلميذ كلما طالبناه بمجهود يتجاوز قدراته العقلية وكذا خصائصه الوجدانية والانفعالية حيث إن لكل مرحلة عمرية خصوصيتها،كما بين ذلك بياجي و علماء النفس النمائي بشكل عام ولها كذلك الامكانات و الحدود المرتبطة بها وبالتالي لا ينبغي أن نحملها ما لا طاقة لها به ،والا حكمنا عليها بالفشل مع ما يستتبع ذلك من تثبيت التلميذ وإحساس بالنقص بل بالذنب لديه حيث يعتقد أنه هو المسئول عن خطئه وأنه لا يفهم كالآخرين...الخ من مثل هذه الاستيهامات والتي قد تنتقل عدواها إلى الأسرة ذاتها.إن مثل هذه الحالات تعود بنا إلى طرح إشكالية التقويم من جديد ومدى احترامها لمثل هذه المعايير والشروط.؟
*مصدر ابيستيمولوجي نتحدث عن عائق من هذا النوع عندما نكون أمام مفهوم غير محدد بما فيه الكفاية ومن ثم فصعوبته هي التي تفترض الخطأ وتضاعف من نسبة حصوله لدى المتعلم.
*مصدر تعليمي أو العائق الديداكتيكي في هذه الحالة يكون الخطأ مرتبطا بالطريقة المتبعة لدى المدرس أو الاستراتيجية التعلمية المعتمدة،حيث نجد إما أن الطريقة غير مناسبة ،بما تفترضه من تشخيص ومهارات أخرى ،أو بسوء اختيار أو تقدير للعدة البيداغوجية الموظفة أو أن الأمر يتعلق بطبيعة ونوع المحتوى المعرفي الموظف وطريقة نقله للتلميذ.يكون الخطأ في هذه الحالة مرتبطا أساسا بشخص المدرس وبغياب أو سوء التخطيط والتدبير لديه.
*مصدر تعاقدي الخطأ يعكس في هذه الحالة طبيعة التعاقد الذي يبنيه المدرس مع المتعلمين حيث نجد أن المتعلم لا يعرف بالضبط ما الذي ينتظره المدرس منه إما لأنه لم يفصح أثناء التعلم عن انتظارا ته من المتعلمين ولم يخبرهم بطبيعة الأهداف أو الكفايات المراد تحقيقها لديهم ،أو لأن المتعلمين،أو على الأقل البعض منهم ،لم يستو عبوا بشكل دقيق ما يريد منهم المدرس الوصول إليه يصبح المشكل في هذه الحالة مشكلا تواصليا بالدرجة الأولى ولا تخفى أهمية التواصل في إنجاح أو تثبيت العملية التعليمية- التعلمية التي هي في أصلها عملية تواصلية.يتبين مما سبق ذكره كيف أن ثمة مجموعة أخطاء من الممكن معالجتها فقط شريطة تحديدها وفهم العوامل الفاعلة فيها والاعتراف بامكان حدوثها حتى لدى المدرس آنذاك فقط يتحول الخطأ إلى معطى ايجابي ذا وظيفة تكوينية دون أن ننسى الأهمية البيداغوجية والخلقية الكامنة وراء تعلمات من هذا القبيل.
هوامش وإحالات:
* لا ينبغي في إطار استحضار هذه المرحلة أن نسقط في خطأ التعميم و ننسى التجربة السقراطية التي لم تكن لتبعد الخطأ من حساباتها بل اعتبرته مدخلا للوصول إلى الحقيقة عبر تقنية الحوار السقراطي أو السخرية السقراطية والتي وان كان غرضها هو الكشف عن الوهم الكامن وراء كل معرفة مفترضة فإنها لم تكن لتقلل من أهمية الخطأ باعتباره القنطرة أو الممر الأساسي للعبور إلى عالم الحقيقة ، على الأقل، تلك المتفق عليها مع المحاور في إطار بيداغوجيا المايوتيكmaïeutique أو فن التوليد.
1-ديكارت،مبدأ الفلسفة ،ترجمة عثمان أمين،دار الثقافة للطباعة والنشر ،القاهرة 1974،ص42"
2 -دفاتر فلسفية –الحقيقة،إعداد وترجمة عبد السلام بنعبد العالي ومحمد سبيلا،دار توبقال للنشر،1993،ص.24
3-حوارات في الفكر المعاصر ،البيادر،الرباط،1991
4-دفاتر فلسفية ،مرجع سابق،ص26
5-انظر في هذا الإطار:معجم علوم التربية،مؤلف جماعي،سلسلة علوم التربية،العدد 9-10 ،ص.118-بتصرف-
6- Extrait de exploiter l’évaluation CE 2
Septembre 2001 Inspection Academique de La Sarthe.