Loading…

بيداغوجيا المشروع




1. الإطار النظري لبيداغوجيا المشروع
2. معنى طريقة المشروع و إجراءاتها
3. هداف طريقة المشروع و فلسفتها
4. أهمية طريقة المشروع و حدودها



تقديم :

ترجع فكرة أو طريقة المشروع في التعليم إلى المربي كروسو ، مربي القرن الثامن عشر و التاسع عشر ، ومن جاء من بعده من المربين من أمثال بستالوزي و هربارت و فروبل ، حيث دعوا إلى الاهتمام بالطفل و ضرورة تمتيعه بحريته وجعله الموضوع الذي ينبغي أن تتمحور حوله جهود المربين و المعلمين . ومنذ ذلك التاريخ ، شرع المربون يفكرون في الوسائل التي يمكن أن تتحقق بها هذه الرؤى . ولم تخرج اهتمامات و جهود جون ديوي عن هذا الاتجاه ، أي تحقيق ما دعا إليه مربو القرن الثامن والتاسع عشر، حيث يرى أن المدرسة لم تعد كما كانت من قبل مكانا لتحضير الأطفال إلى الحياة وشحنهم بمجموعة من المعارف و المعلومات الجافة و الحقائق المجردة وحملهم على حفظها و إتقانها ، بل إن المدرسة مطالبة ، في نظره ، لكي تتحول إلى مكان أو فضاء يحيا فيه الأطفال حياة اجتماعية عملية وحقيقية حيث يتدربون ويتمرنون على حل مشاكل الحياة ، تلك المشاكل التي قد تعترضهم مستقبلا خارج أسوار المدرسة . ولتحقيق ذلك ، أكد ديوي على ضرورة جعل المحيط المدرسي محيطا مفتوحا ، يحس فيه الطفل أنه ذات حرة ، تحترم فيه ميولا ته ورغباته و تطلعاته ، وأنه محيط غير منفصل عن عالم الطفل الكبير الذي هو الحياة بمتطلباتها و اكراهاتها المتعددة و المتنوعة . وذلك لن يتسنى إلا عبر برمجة دروس عملية تنضاف إلى ما يتعلمه الطفل وما يتلقاه داخل المدرسة من معلومات ومهارات وإعطاء الأهمية إلى مسلك جديد في التعليم هو التعلم عن طريق التطبيق أو ما يسميه ديوي التعلم بواسطة العمل .
لقد غزت مثل هذه الأفكار بسرعة المجال التربوي لأنها أصلا كانت تنسجم مع تطلعات الرأسمالية الصاعدة آنذاك واكتسحت بسرعة المدرسة الغربية ، خصوصا مع أتباع ديوي أمثال كلباتريك الذي تبنى طريقة المشروع واعتبرها نموذجا لأجرأة أفكار ديوي التربوية واستجابة عاجلة لمتطلبات الرأسمالية آنذاك والتي ستربط المعرفة بقيمتها الإنتاجية ، وستقيمها على ذلك الأساس .

أولا: الإطار النظري لبيداغوجيا المشروع :
يمكن أن نتحدث في إطار هذه الطريقة البيداغوجية على الأقل على أساسين نظريين يفرضان حضورهما بقوة ويعطيان مشروعية لتصورات هذه الطريقة : أساس سيكولوجي وآخر فلسفي .

- الأساس السيكولوجي :
تجد طريقة المشروع أساسها النظري في سيكولوجيا التعلم ، حيث يعتبر كل فرد مالكا لقابلية التعلم la notion d’éducabilité في أفق تحقيق هدف أو أهداف يتطلع إليها وحيث إن قدراته وخصائصه الخلقية تنمو وتتكون من خلال خبراته التي تمده بها البيئة التي يعيش فيها .
كما أن النظرية الغرضية في علم النفس التي يتزعمها ماكدوجال تعترف هي أيضا بكون كل دوافع أعمالنا و سلوكنا ترمي في النهاية للوصول إلى تحقيق أهداف طبيعية معينة ، أي أن كل أعمالنا هي أعمال قصدية تنحو نحو إرضاء النزعات الفطرية فينا . أما اللذة أو الألم فهي لا تعدو أن تكون مجرد منتجات ثانوية تظهر أثناء سعينا للوصول إلى تلك الأهداف فنشعر باللذة إذا تحققت و نشعر بالألم إذا لم تتحقق . وبناء على ذلك ، فان هدفنا من التربية هو إعلاء الدوافع و الغرائز و الاستعدادات الفطرية بحيث يحدث فيها توجه جديد وتوافق و اتزان بين عمل تلك الدوافع . أي أن التربية يجب أن تمكن الفرد من الوصول إلى تحقيق أهدافه التي رسمتها له الطبيعة بطريقة تجعله يستفيد منها على المستويين الفردي و الاجتماعي .

- الأساس الفلسفي :
تمثل الفلسفة البراغماتية أساسا نظريا مهما تقوم عليه نظرية المشروع . وهي فلسفة يتمحور فيها مبدأ التربية حول الطفل ووسطه الطبيعي و الاجتماعي و اللذان من خلال التفاعل الدائم بينهما ينتج خبرته . ومن ثم فالفلسفة البراغماتية تقف مع حرية الطفل و فسح المجال أمامه لكي يجرب ما شاء ويتصل بالمجتمع من دون أية قيود . لأنه ، في هذا الاتصال وعبر هذا التفاعل ، يتعلم الطفل و ينجح في التكيف مع محيطه .
كما أن التربية حسب البراغماتيين تمثل توجيها للدوافع و القدرات الطبيعية نحو تحقيق الحاجات المرتبطة بسن الطفولة في البيأة . والنتيجة المراقبة من خلال هذه الطريقة في التربية هي إنتاج عقل نشيط و منتج في جميع الأحوال و المواقف ، عقل قادر على الاكتشاف بل و الإبداع . ويعتبر التعليم عن طريق النشاط أو عن طريق العمل الأساس الذي تقوم عليه الفلسفة البراغماتية ، ومن ثم طريقة المشروع : فالطفل يتعلم عن طريق النشاط و التفاعل الدائم مع الموضوعات الخارجية وهي وضعية تعليمية تتجاوز بكثير طريقة التلقين التقليدية التي يتحول معها المتعلم إلى مجرد متلقي سلبي . عوض ذلك يلزم وضع الطفل في مواقف وفي وضعيات – إشكالية وتركه يصارعها و تصارعه حتى يصل إلى معرفة لا تكون معطاة بل معرفة مبنية نتيجة جهد ذاتي قام به عقل المتعلم وليس عقل غيره . ومن ثم فتلك المعرفة المحصل عليها نتيجة هذا الجهد الذاتي لا بد لها أن تظل ثابتة و راسخة لا يمكن أن يلحقها التلف بسهولة كما هو الشأن بالنسبة للمعارف المعطاة و المخزنة و التي تسربت إلى الذاكرة و من دون أم يساهم عقل المتعلم في بلورتها .

ثانيا: معنى طريقة المشروع و إجراءاتها :
استعمل لفظ المشروع في بدايته من قبل علماء الزراعة العملية و الهندسية في الحقول الزراعية التجريبية في الولايات المتحدة الأمريكية . ومن هناك انتقل إلى المدارس و أخذ معناه يتحدد شيئا فشيئا إلى أن تبلور مع كلباتريك الذي يعرفه باعتباره " الفعالية القصدية التي تجري و تتحقق في محيط اجتماعي (1) . وأهم ما يميز تعريف كلباتريك هذا هو أنه تعريف شامل حيث أن كل عمل بالنسبة إليه ، يعتبر مشروعا ويتخذ هذه الصفة إذا كان قصديا متصلا بالحياة ، مهما كان ذلك العمل يدويا أو عقليا . فالشرط الوحيد هو أن يكون مرتبطا بالحياة و ينشد غاية محددة .
وتتحدد طريقة المشروع في مجال التعليم في تقديم مشروعات للتلاميذ في صيغة وضعيات تعلمية تدور حول مشكلات اجتماعية واضحة (2) . وهي طريقة في العمل تشعرهم بميل حقيقي للبحث في تلك المشاكل و العمل على حلها حسب القدرات التي يمتلكها كل منهم . وكل ذلك تحت إشراف الأستاذ من خلال اقتراح ممارسة أنشطة ذاتية متنوعة . وما يميز هذه الطريقة كذلك هو تجاوزها للحدود الفاصلة بين المواد الدراسية ، فكل معرفة قد تقود إلى إيجاد الحل تعتبر نافعة وصحيحة ، بغض النظر عن انتمائها لهذه المادة التعليمية أو تلكك حيث تتداخل كل المواد للوصول إلى الغاية المنشودة و حيث تصبح محتوياتها – المعلومات و المعارف- مجرد وسائل لا غايات في ذاتها .

- طريقة المشروع : الخطوات والإجراءات :

تفترض طريقة المشروع القيام بمجموعة من الإجراءات نحددها كالتالي :
* اختيار المشروع وتحديد أهدافه : ويشدد منظرو هذه الطريقة على ضرورة إشراك المتعلمين في اختيار هذه المشاريع و التداول معهم في شأنها وأن يحرص المربون على أن تكون متوافقة مع ميول التلاميذ ورغباتهم وأن تكون قابلة لإثارة أنشطة متعددة و مرتبطة بمجالات عمل مختلفة وأن تكون قابلة للتنفيذ وذات ارتباط واضح بالموضوعات المقررة ومتقاطعة مع باقي المواد الدراسية الأخرى المكونة للمستوى التعليمي الذي ينتمي إليه المتعلمون المعنيون . إن المشروع في حالة كهذه لا يمثل غاية في حد ذاته بقدر ما هو مناسبة ذكية لجعل التلاميذ مقبلين أكثر على التعلم من خلال مواجهتهم بمشاكل وعوائق ومن ثم خلق وضعيات تعليمية تكون أكثر إثارة(3) .
* تخطيط المشروع وتنظيمه: يقوم المدرس بمعية المتعلمين بالتخطيط الجيد للمشروع ودراسته من مختلف جوانبه تلافيا للإخفاق في تنفيذه  . ويشمل هذا التخطيط تحديد الأهداف التي ينوي المشروع تحقيقها ، وبيان الوسائل التي يلزم اعتمادها وتحديد تكاليف الإنجاز و مصادر التمويل وكذا الغلاف الزمني الذي تتطلبه العملية ولو بصورة تقديرية .
* تخطيط المشروع : يشرع المتعلمون في إنجاز المشروع و تنفيذه جزءا بجزء متتبعين التعليمات المدرجة في التخطيط . وكل ذلك تحت إشراف المدرس .
* تقويم المشروع : خلال هذه المرحلة تتم مناقشة ما تم تنفيذه ومدى النجاح في عمليات التخطيط ، التنظيم و التنفيذ وكذا طبيعة التعثرات و الصعوبات المصادفة حتى يتم تفاديها في المستقبل . ولا تخفى المهمة البيداغوجية لهذا العمل وهذه الوقفة الابستيمولوجية التي يقفها المتعلمون أمام منتوجهم وأمام ذواتهم من خلال اكتشاف مكامن القوة ومكامن الضعف لديهم ، وما ينتج عن ذلك من تنمية لمهارات التحليل و النقد و التقويم الذاتي واكتشاف الأخطاء و تصحيحها واقتراح بدائل أخرى ممكنة لكي يتوج كل ذلك بتوجيهات المدرس الذي يستثمر كل ما سبق أن توصل إليه التلاميذ بأنفسهم من أجل تعميقه و تنبيههم لأخطائهم التي ربما لم يفطنوا إليها مبينا لهم كيفية العمل مستقبلا لتجاوز هفوات مماثلة .





ثالثا : أهداف طريقة المشروع و فلسفتها :
أ- أهداف طريقة المشروع :

تتمثل جملة الأهداف التي يروم التدريس بطريقة المشروع تحقيقها فيما يلي :
-الربط بين الفكر و الممارسة ، بين الجانب النظري والجانب العملي في عملية التعلم .
-التوافق مع ميولات المتعلمين وقدراتهم .
-التأسيس لتعلم يرتكز على الأنشطة الذاتية للتلاميذ .
-تعديل السلوك واكتساب عادات و خبرات جديدة ومواقف ايجابية من التعلم .
-ربط التعليم بمواقف الحياة الاجتماعية - معيش التلميذ - .
-تعويد التلاميذ على إتباع الأسلوب العلمي في التفكير وفي حل المشكلات التي تعترضهم .
-تقوية مواقف التعاون و العمل الجمعي الهادف وتحمل المسؤولية و الاعتماد على النفس .
-التمرن على التخطيط و التنظيم و القدرة على جمع المعلومات و البيانات و توظيفها في المكان المناسب (4)

ب – أهميتها البيداغوجية :
تتمثل الأهمية البيداغوجية لهذه  المقاربة البيداغوجية في كونها ، ولو على المدى البعيد ، تربي المتعلم وتعده ليكون فردا فاعلا داخل المجتمع ، مشاركا وايجابيا . وذلك مـــن خلال :
- التعود على الاعتماد على النفس : فهي تعمل على تربية روح الاعتماد على النفس لدى المتعلمين ، وذلك لأنها لا تنهج نهج التربية السهلة ، فكل مشروع ، مهما كانت طبيعته ودرجة تعقده ، يحتاج تنفيذه إلى بذل مجهودات مهمة والى سهر وصبر كبيرين وما يصاحب ذلك من مشاعر انفعال وتوتر لا تزول إلا بزوال المشاكل التي تعترض المتعلمين في بحثهم عن الحل الأنسب لها . ومن ثم فالعمل بمشاريع يمثل خير وسيلة لتربية التلاميذ وتمرينهم على تحمل الحياة الصعبة ومواجهة كل المشاكل التي يمكن أن تعترضهم في حياتهم .
- استثمار عنصر الإثارة والتشويق في التعلم : إن العمل بمشاريع عادة ما يكون نابعا من نفوس التلاميذ لأنهم هم الذين يختارونها ، ومن ثم فالقابلية للتعلم تكون عندهم أقوى من غيرهم الذين يشتغلون وفق رؤى وطرق أخرى . كما أن من شأن هذه الطريقة في العمل تحفيز التلاميذ المترددين أو المتعثرين لأنهم يجدون أنفسهم منخرطين وبشكل لا شعوري في عملية بناء المشروع .
- التعلم المصاحب : تتيح طريقة المشروع فرصا كثيرة لتحقيق التعلم المصاحب حيث يكتسب المتعلم من خلالها مهارات جديدة تظهر على شكل أعراض جانبية لم تكن مستهدفة عند بداية التعلم ومن هذه المهارات مثلا : اتساع أفق المتعلم و انفتاحه على تصورات و آراء الآخرين وتجاوزه لتمركزه على ذاته وقبول آراء الآخرين واحترامها وكذا إدراك أهمية العمل الجماعي والتعاون ، ومن ثم الأهمية التربوية لهذه المقاربة البيداغوجية وإمكانية اعتمادها لبناء كفايات تربوية يستفيد منها المتعلم في حياته النشيطة وفي تدبير علاقته مع المحيط .

رابعا : حدود طريقة المشروع : يرى بعض المربين أن هذه الطريقة ، وبتمركزها الشديد على المتعلم ، قد تتماشى مع ميولاته ومن ثم تصبح عملية التعلم أسيرة رغباته الخاصة وذلك لما تمنحه من حرية شبه مطلقة وذلك على حساب أهداف المادة الدراسية المستهدفة .
كما أنها طريقة تجر التلاميذ إلى دراسات لا حد لها ولا نهاية ، حيث إن دراسة كل مشروع قد تقود إلى دراسة مشاريع أخرى والى إثارة مشاكل لا حد لها تتطلب وقتا و نفقات مهمة لكي تكون الحصيلة في بعض الحالات معلومات بسيطة وتافهة . لتجاوز ذلك ينبغي تقدير النتائج مسبقا وملاحظة إن كانت تستحق فعلا تضحيات من هذا القبيل أو يتعين اختيار طريقة بيداغوجية أخرى تكون أنسب ، أنجع وأقل تكلفة .
ثم إنها طريقة ينقصها التنظيم في المعلومات ويصعب معها وضع مناهج ، فهي تهمل الترتيب المنطقي للمواد الدراسية ولا تحترم التخصصات ولا تؤدي بالتلاميذ إلى التحصيل المفترض في مواد معينة ، على الأقل ذلك التحصيل الضروري للمعارف الأساسية ، وتبعا لذلك يصعب وضع مناهج تعليمية متكاملة ومتماسكة .
وهي أيضا طريقة تحتاج إلى مدرسين على قدر عال من التدريب و الكفاءة ، حيث لتجنب المنزلقات السابقة ، ينبغي أن تناط هذه المهمة بمدرسين يعرفون متى يمكن استعمال هذه الطريقة أو تلك وكيف يوجهون العمل بها لتجاوز كل الانزياحات الممكنة من طرف المتعلمين (5)


الوضعية التعليمية بين الطريقة التقليدية وطريقة المشروع


الطريقة التقليدية طريقة المشروع
المجال القسم في القسم و خارجه
المحتوى البرنامج البرامج- محيط المدرسة
المرجعيات المدرس – الكتاب المدرسي المعلم – أصدقاء الفصل - آخرون
المسئول الأول المدرس التلميذ
وظيفة المدرس تعليم - تقويم إرشاد وتوجيه- اقتراح – التزويد بمعلومات .
تمركز العملية التعليمية التعلمية على المدرس كمالك للمعرفة على التلميذ كطرف أساسي في معادلة بناء المعرفة .
ايجابيات اكتساب كمية كبيرة من المعارف تعلم مهارات – الإحساس بمتعة التعلم – تفتح الشخصية .
سلبيات شحن آلي للمعارف ضياع الوقت في غياب الضبط و التوجيه.







هوامش :

1- محمد حسين آل ياسين ، المبادئ الأساسية في طرق التدريس العامة ، مكتبة النهضة ، دار القلم ، ص. 130
2-انظر معجم علوم التربية ، منشورات علوم التربية عدد9-10
3- يمكن الرجوع في هذا الإطار وبشكل خاص إلى :
 Philippe Perrenoud , Réussir ou comprendre ?, les dilemmes classiques    d’une démarche de projet , Genève , 1998
4- معجم علوم التربية ، مرجع سابق ،ص. 206 وكذلك :
             Jocelyne Hullen ,Séminaire pédagogique de projet 2-3 Novembre 99   
5- صالح عبد العزيز ، التربية و طرق التدريس ، الجزء الثاني ، دار المعارف ، الطبعة العاشرة ، ص.116